فصل: وفاة العزيز صاحب مصر وولاية أخيه الأفضل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير العادل إلى الجزيرة وحصاره ماردين.

كان نور الدين أرسلان شاه مسعود صاحب الموصل قد وقع بينه وبين قطب الدين محمد ابن عمه عماد الدين زنكي صاحب نصيبين والخابور والرقة وبين أبيه عماد الدين قبله فتنة بسبب الحدود في تخوم أعمالهم فسار نور الدين إليه في عساكره وملك منه نصيبين ولحق قطب الدين بحران والرها إيالة العادل بن أيوب وبعث إليه بالصريخ وهو بدمشق وبذل له الأموال في إنجاده فسار العادل إلى حران وارتحل نور الدين من نصيبين إلى الموصل وسار قطب الدين إليها فملكها وسار العادل إلى ماردين في رمضان من السنة فحاصرها وكان صاحبها حسام الدين بولو أرسلان بن أبي الغازي بن ألبابن تمرتاش أبي الغازي بن أرتق وهو صبي وكافله مولى النظام برتقش مولى أبيه والحكم له ودام حصاره عليها وملك الربض وقطع الميرة عنها ثم رحل عنها في العام القابل كما تقدم في أخبار دولة زنكي والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.

.وفاة العزيز صاحب مصر وولاية أخيه الأفضل.

ثم توفي العزيز عثمان بن صلاح الدين آخر محرم سنة خمس وتسعين وكان فخر الدين أياس جهاركس مولى أبيه مستبدا عليه فأرسل العادل بمكانه من حصار ماردين يستدعيه للملك وكان جهاركس هذا مقدم موالي صلاح الدين وكانوا منحرفين عن الأفضل وكان موالي صلاح الدين شيركوه والأكراد شيعة وجمعهم جهاركس لينظر في الولاية وأشار بتولية ابن العزيز فقال له سيف الدين أيازكوش مقدم موالي شيركوه لا يصلح لذلك لصغره إلا أن يكفله أحد من ولد صلاح الدين لأن رياسة العساكر صنعه واتفقوا على الأفضل ثم مضوا إلى القاضي الفاضل فأشار بذلك أيضا وأرسل أياز كوش من يستدعيه من صرخد فسار آخر صفر من السنة ولقيه الخبر في طريقه الخبر في طريقه بطاعة القدس له وخرج أمراء مصر فلقوه ببلبيس وأضافه أخوه المؤيد مسعود وفخر الدين جهاركس ودولة العزيز فقدم أخاه وارتاب جهاركس واستأذنه في المسير ليصلح بين طائفتين من العرب اقتتلا فأذنه فسار فخر الدين إلى القدس وتملكه ولحقه جماعة من موالي صلاح منهم قراجا الدكرمس وقراسنقر وجاءهم ميمون القصري فقويت شوكتهم به واتفقوا على عصيان الأفضل وأرسلوا إلى الملك العادل يستدعونه فلم يعجل لإجابتهم لطمعه في أخذ ماردين وإرتاب الأفضل بموالي صلاح الدين وهم شقيرة وأنبك مطيش وألبكي ولحق جماعة منهم بأصحابهم بالقدس وأرسل الأفضل إليهم في العود على ما يختارونه فامتنعوا وأقام هو بالقاهرة وقرر دولته وقدم فيها سيف الدين أياز كوش والملك لابن أخيه العزيز عثمان وهو كافل له لصغره وانتظمت أمورهم على ذلك انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

.حصار الأفضل دمشق وعوده عنها.

ولما انتظمت الأمور للأفضل بعث إليه الظاهر غازي صاحب حلب وابن عمه شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص يغريانه بملك دمشق لغيبة العادل عنها في حصار ماردين ويعدانه المظاهرة فسار من منتصف السنة ووصل إلى دمشق منتصف شعبان وسبقه العادل إليها وترك العساكر مع ابنه الكامل ماردين ولما نزل الأفضل على دمشق وكان معه الأمير مجد الدين أخو عيسى الهكاري فداخل قوما من الأجناد في دمشق في أن يفتحوا له باب السلامة ودخل منه هو والأفضل سرا وانتهوا إلى باب البريد ففطن عسكر العادل لقلتهم وإنقطاع مددهم فتراجعوا وأخرجوهم ونزل الأفضل بميدان الحصار وضعف أمره واعصوصب الأكراد من عساكره فارتاب بهم الآخرون وانحازوا عنهم في المعسكر ووصل شيركوه صاحب حمص ثم الظاهر صاحب حلب آخر شعبان وأول رمضان لمظاهرة الأفضل وأرسل العادل إلى موالي صلاح الدين بالقدس فساروا إليه وقوي بهم ويئس الأفضل وأصحابه وخرج عساكر دمشق ليبيتوهم فوجدوهم حذرين فرجعوا وجاء الخبر إلى العادل بوصول ابنه محمد الكامل إلى حران فاستدعاه ووصل منتصف صفر سنة ست وتسعين فعند ذلك رحلت العساكر عن دمشق وعاد كل منهم إلى بلاده انتهى والله أعلم.

.إفراج الكامل عن ماردين.

قد كان تقدم لنا مسير العادل إلى ماردين وسار معه صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة وديار بكر وفي نفوسهم غصص من تغلب العادل على ماردين وغلبهم فلما عاد العادل إلى دمشق لمدافعة الأفضل وترك ابنه الكامل على حصار ماردين واجتمع ملوك الجزيرة وديار بكر على مدافعته عنها وسار نور الدين أرسلان شاه صاحب الموصل وابن عمه قطب الدين محمد بن زنكي صاحب سنجار وابن عمه قطب الدين سنجر شاه بن غازي صاحب جزيرة ابن عمر واجتمعوا كلهم ببدليس حتى قضوا عيد الفطر وارتحلوا سادس شوال وقاربوا جبل ماردين وكان أهل ماردين قد اشتد عليهم الحصار وبعث النظام برتقش صاحبها إلى الكامل بتسليم القلعة على شروط اشترطها إلى أجل ضربه وأذن لهم الكامل في إدخال الأقوات في تلك المدة ثم جاءه الخبر بوصول صاحب الموصل ومن معه فنزل القائم للقائهم وترك عسكرا بالربض وبعث قطب الدين صاحب سنجار إلى الكامل ووعده بالإنهزام فلم يغن ولما التقى الفريقان حمل صاحب الموصل عليهم مستميتا فانهزم الكامل وصعد إلى الربض فوجد أهل ماردين قد غلبوا عسكره الذي هنالك ونهبوا مخلفهم فارتحل الكامل منتصف شوال مجفلا ولحق بميافارقين وانتهب أهل ماردين مخلفه ونزل صاحبها فلقي صاحب الموصل وعاد إلى قلعته وارتحل صاحب الموصل إلى رأس عين لقصد حلوان والرها وبلاد الجزيرة من بلاد العادل فلقيه هنالك رسول الظاهر صاحب حلب يطلبه في السكة والخطبة فارتاب لذلك وكان عازما على نصرتهم فقعد عنهم وعاد إلى الموصل وأرسل إلى الأفضل والظاهر يعتذر بمرض طرقه وهم يومئذ على دمشق ووصل الكامل من ميافارقين إلى حران فاستدعاه أبوه من دمشق وسار إليه في العساكر فأفرج عنه الأفضل والظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم.